الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله: الطويل: وينبغي أن بينى ذلك على الخلاف في خبر اسم الشَّرْط.فإن قيل: إنَّ الخبر هو الجزاء وحده أو هو الشَّرْط فلابد من الضمير، وإن قيل بإنه فعل الشَّرْط، فلا حاجة إلى الضمير، وقد تقدم قول أبي البقاء وغيره في ذلك عند قوله تعالى: {فَمَنْ تَبعَ هُدَايَ}، وقد صّرح الزمخشري رحمه الله بأنه جواب الشَّرْط، وفيه النَّظر المذكور، وجوابه ما تقدم.و{عَدُوًّا} خبر {كان}، ويستوي فيه الواجد غيره، قال: {هُمُ العَدُوُّ} والعَدَاوَةُ: التجاو قال الرَّاغب: فبالبقلب يقال: العداوة وبالمشي يقال: العدو، وبالإخلال في العدل يقال: العدوان وبالمكان أو النسب يقال: قوم عِدَي أي غرباء.و{لِجْبِريلَ} يجوز أن يكون صفة ل {عَدُوًّا} فيتعلّق بمحذوف، أو تكون اللام مقوية لتعدية {عَدُوًّا} إليه.و{جبريل} اسم ملك وهو أعجمي، فلذلك لم ينصرف، وقول من قال: إنّه مشتقّ من جبروت الله: بعيد؛ لأن الاشتقاق لا يكون في الاسماء الأعجمية، وكذا قول من قال: إنه مركّب تركيب الإضافة، وأن جبر معناه: عبد، وإيل اسم من أسماء الله تعالى فهو بمنزلة عبد الله؛ لأنه كان ينبغي أن يجرى الأول بوجوه الإعراب وأن ينصرب الثاني وهذا القول مَرْوِيّ عن ابن عَبَّاس، وجماعة من أهل العلم، فقال أبو علي السّنوي: وهذا لايصحّ لوجهين:أحدهما: أنه لايعرف من أسماء الله إيل.والثاني: أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجرورًا.وقال المهدوي: إنه مركّب تركيب مرج نحو: حضرموت وهذا بعيد أيضًا؛ لأنه كان ينبغي أن يبنى الأول على الفتح ليس إلاّ.وَرَدَّ عليه أبو حَيَّان بأنه لو كان مركبًا تركيب مزج لجاز فيه أن يعرب إعراب المُتَضَايفين، أو يبنى على الفَتْح كأحد عشر، فإن كلّ ما ركب تركيب المزج يجوز فيه هذه الأوجه، وكونه لم يسمع فيه البناء، ولا جريانه مجرى المتضايفين دليل على عدم تركيبه تركيب المزج وهذا الرد لا يحسن ردَّا؛ لأنه جاء على أحد الجائزين، واتفق أنه لم يستعمل إلا كذلك.قال القرطبي رحمه الله تعالى: والصَّحيح في هذه الألفاظ أنها عربية نزل بها جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام بلسان عربي مبين.قال النحاس: ويجمع جبريل على التكسير جباريل، وقد تصرفت فيه العرب على عادتها في الاسماء الأعجمية، فجاءت فيه بثلاث عشر لغة.أشهرها وأفصحها: {جبريل} بزنة قِنْديل، وهي قراءة أبي عمرو، ونافع وابنِ عامرِ ومحفْصِ عن عاصم، وهي لغة الحجاز؛ قال ورقةُ بنُ نَوْفَلِ: الطويل: وقال حَسَّان: الوافر: وقال عمران بن حِطَّان: البسيط: الثانية: كذلك إلا أنه فتح الجيم، وهي قراءة ابن كثير والحسن، وقال الفَرَّاء: لا أحبها؛ لأنه ليس في كلامهم فَعْلِيلُ وما قاله ليس بشيء؛ لأن ما أدخلته العرب في لسانها على قسمين قسم ألحقوه بأبنيتهم كلِجَامٍ، وقسم يلحقوه كإِبْرَيْسَمٍ، على أنه قيل: إنه نظير شَمويل اسْمَ طائر.وعن ابن كثير أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {جَبْرِيلَ ومِيكَائيلَ}، قال: فلا أزال أقرؤها كذلك.الثالثة: جَبْرَئِيل كَعْنتَريس، وهي لغة قيس وتميم، وبها قرأ حمزة والكسائيُّ؛ وقال حسَّان: الطويل: وقال جريرٌ: الكامل: الرابعة: كذلك إلاَّ أنه لا ياء بعد الهمزة، وتروى عن عاصم ويحيى بن يعمر.الخامسة: كذلك إلاّ أن اللام مشددة، وتروى أيضاَ عن صام ويحيى بن يعمر أيضًا قالوا: وإِلٌّ بالتشديد اسم الله تعالى.وفي بعض التفاسير: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًا وَلاَ ذِمَّةً} [التوبة: 10] قيل: معناه: الله وروي عن أبي بكر لما سمع بِسَجْع مسيلمة: هذا كلام لم يخرج من إِلَّ.السادسة: جَبْرَائِل بألف بعد الرَّاء، وهمزة مكسورة بعد الألف، وبها قرأ عكرمة.السابعة: مثلها إلا أنها بياء الهمزة.الثامنة: جِبْرَائيل بياءين بعد الألف من غير همزة، وبها قرأ الأعمش ويحيى أيضًا.التاسعة: جِبْرَال.العاشرة: جِبْرَايل بالياء والقصر، وهي قراءة طلحة بن مُصَرِّف.الحادية عشرة: جَبْرِينَ بفتح الجيم والنون.والثانية عشرة: كذلك إلا أنه بكسر الجيم.والثالثة عشرة: جَبْرايين.والجملة من قوله: {مَنْ كَانَ} في محلّ نصب بالقول، والضمير في قوله: {فإنّه} يعود على جبريل وفي قوله: {نزله} بعود على القرآن، وهذا موافق لقوله: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193] في قراءة من رفع {الروح} ولقوله: {مصدقًا}.وقيل: الأول يعود على الله، والثاني يعود على جبريل، وهو موافق لقراءة من قرأ {نَزَّل بهِ الرُّوح} بالتشديد والنصب، وأتى بالتي تقتضي الاستعلاء دون إلى التي تقتضي الانتهاء، وخصّ القلب بالذكر؛ لأنه خزانة الحِفْظ، بيت الربّ عز وجل وأكثر الأمة على أنه أنزل القرآن عليه، لا على قلبه، إلاَّ أنه خصّ القلب بالذكر؛ لأن الذي نزل به ثبت في قلبه حفظًا حتى أدَّاه إلى أمّته، فلمّا كان سبب تمكّنه من الأداء ثبات حفظه قي قلبه جاز أن يقال: نزله على قلبك، وإن كان في الحقيقة نزل عليه لا على قلبه، ولأنه أشرف الأعضاء.قال عليه الصَّلاة السَّلام: «أَلاَ إِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» وأضافه ضمير المخاطب دون ياء المتكلم، وإن كان ظاهر الكلام يقتضي أن يكون على قلبي لأحد الأمرين:إما مراعاة لحال الأمر بالقول فَتَسْرُد لفظة بالخطاب كما هو نحو قولك: قل لقومك: لا يهينوك، ولو قلت: لا تهينوني لجاز، ومنه قول الفرزدق: الطويل: فأحرز المعنى ونَكَّبَ عن نداء هندية ما لك؟، وإما لأن ثَمَّ قولًا آخر مضمرًا بعد {قل} والتقدير، قل يا محمد: قال الله: {من كان عدوًّا لجبريل فإنه نزله على قلبك}، وإليه نحا الزمخشري بقوله: جاءت على حكاية كلام الله، قل: ما تكلمت به من قولي: من كان عدوًّا لجبريل، فإنه نزله على قلبك فعلى هذا الجملة الشرطية معمولة لذلك القول المضمر، والقول المضمر معمول للفظ {قل}، والظاهر ما تقدم من كون الجملة معمولة للفظ {قل} بالتأويل المذكور أولًا، ولا ينافيه قول الزمخشري، فإنه قصد تفسير المعنى لا تفسير الإعراب.والضمير في أنه يحتمل معنيين:الأول: فإن الله نزل جبريل على قلبك.الثاني: فإن جبريل نزل القرآن على قلبك، ودلت الآية على شرف جبريل عليه السلام وذمّ معادية قاله القُرْطبي رحمه الله تعالى.قوله تعالى: {بإِذْن اللهِ} في محلّ نصب على الحال من فاعل: {نزله} إن قيل: إنهُ ضمير جبريل، أو من مفعوله إن قيل: إن الضمير المرفوع في نزل يعود على الله، والتقدير: فإنه نزل مأذونًا له أو معه إذن الله، والإذن في الأصل العلم بالشَّيء، والإيذان، كالإعلام، آذن به: علم به، وآذنته بكذا: أعلمته به، ثم يطلق على التمكين، أذن في كذا: أمكنني منه، وعلى الاختبار، فعلته بإذنك: أي باختيارك، وقول من قال بإذنه أي بتيسّره راجع إلى ذلك.قال ابن الخطيب: تفسير الإذن هُنا بالأمر أي بأمر الله، وهو أولى من تفسيره بالعلم لوجوه:أولها: أنَّ الإذن حقيقة في الأمر، ومجاز في العلم، واللَّفظ واجب الحمل على حقيقته ما أمكن.وثانيها: أن إنزاله كان من الواجبات، والوجوب مستفاد من الأمر لا من العلم.وثالثها: أن ذلك الإنزال إذا كان من أمر لازم كان أوكد في الحجة.قوله تعالى: {مُصَدِّقًا} حال من الهاء في {نزّله} إن كان يعود الضمير على القرآن، وإن عاد على جبريل ففيه احتمالان:أحدهما: أن يكون من المجرور المحذوف لفهم المعنى، والتقدير: فإن الله نزّل جبريل بالقرآن مصدقًا.الثاني: أن يكون من جبريل بمعنى مصدقًا لما بين يديه من الرسل، وهي حال مؤكدة، والهاء في {بين يديه} يجوز أن تعود على القرآن أو على جبريل.وأكثر المفسرين على أن المراد ما قبله من كتب الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام لا يخصّ كتابًا دون كتاب، ومنهم من خصَّه بالتوراة، وزعم أنه إشارة إلى أن القرآن يوافق التوراة في الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ. باختصار.
|